فضل صلاة الجمعة ويومها

on
  • 2016-03-03 14:19:40
  • 0
  • 3349

يوم الجمعة من أعظم الأيام عند الله، وقد فضل الله أمتنا على سائر الأمم بأن جعله لها عيداً، وشرع لنا فيها أموراً ورغب في فعلها، وجعل عليها الأجر الكبير ومغفرة الذنوب، وكتابة المسلم من أهل الجنة وغير ذلك من الفضل، لمن التزم بالسنن والآداب ليوم الجمعة.
الترغيب في صلاة الجمعة والسعي إليها
قال الإمام المنذري رحمه الله: [ الترغيب في صلاة الجمعة والسعي إليها، وما جاء في فضل يومها وساعتها.روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فأستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغى) .وروى مسلم عن أبي هريرة أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) .وعن أبي سعيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة: من عاد مريضاً، وشهد جنازة، وصام يومه، وراح إلى الجمعة، وأعتق رقبة) رواه ابن حبان في صحيحه.من الأحاديث الواردة في هذا الباب: حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام).في الحديث أن الذي يتوضأ ويحسن الوضوء، أي: يسبغه ويتمه، كما كان يفعله النبي صلوات الله وسلامه عليه، ثم يأتي الجمعة فيستمع وينصت؛ لقوله: فاستمع وأنصت، وقوله: استمع، أي: لخطبة الجمعة، والاستماع فيه إصغاء، أما الإنصات ففيه تفكر، إذ المقصود من إتيان المسلم لصلاة الجمعة أن يستفيد ويتعلم ويتعظ، ولذا فإنه إذا استمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى.وقد جاء الحديث بتأكيد الوضوء، وذلك قوله: توضأ فأحسن الوضوء، أما إذا اغتسلت فالغسل أفضل، كما جاء في الحديث الآخر، وغسل الجمعة جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر به، وأخبر في حديثه أنه واجب على كل محتلم، والراجح: أن غسل الجمعة سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فينبغي على المسلم أن لا يتركها، فقد أكدت بأحاديث كثيرة عنه صلوات الله وسلامه عليه، وإن كان الوضوء جائز لحديث: (من توضأ - يعني للجمعة - فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل) ففيه بيان أن الغسل أفضل من الوضوء عند إتيان صلاة الجمعة، وسترد المسألة مفصلة في باب فضل الغسل للجمعة.قوله: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام)، فيه فضيلة التبكير إلى الجمعة إذ يغفر له ليس فقط سبعة أيام بل يغفر له عشرة أيام، والحسنة بعشر أمثالها، وفضل الله عز وجل أن يغفر بين الجمعة إلى الجمعة، مقيد فيما إذا اجتنبت الكبائر، أي أن الله عز وجل يغفر صغائر الذنوب بين الجمعتين.ولذا لا يقول الإنسان مثلاً: أنا سأصلي الجمعة، ثم أدع الصلاة إلى الجمعة المقبلة ثم أصليها، وهكذا لأنه بذلك واقع في كبيرة من الكبائر، وهي ترك الصلاة، إذ الكبائر ليست داخلة في هذا الحديث، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم. قوله: ومن مس الحصى فقد لغى، فيه تأكيد على الاستماع والإنصات، والنهي عما يخل بهما بما فيه مسح الحصى؛ لأن ذلك يعني أن المستمع مشغول في شيء غير الخطبة.ومعلوم أن الخطبة تتضمن آيات وأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالذي ينصت لا ينصت للخطيب فقط، ولكنه ينصت لقول الله، وقول رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وينصت للموعظة، ومن ينشغل عن ذلك لأدنى شيء ولو بمس الحصى أو للعب بيديه وهو جالس ويظن أنه يسمع، فإنه داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من مس الحصى فقد لغى)، والمعنى: أنه غير داخل فيمن ذكر الحديث أنه يغفر له؛ لأن شرط المغفرة أن يستمع وينصت، فإذا مس الحصى فقد تشاغل باللعب ولم يعد مستمعاً ومنصتاً.
 تعليق الحصول على الفضل باجتناب الكبائر
روى مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)، وفيه أن ما بين الصلاة والصلاة، وما بين الجمعة إلى الجمعة، وما بين رمضان إلى رمضان، يكفر بتلك العبادات بشرط أن تجتنب الكبائر، فالتكفير للذنوب مشروط باجتناب الكبائر، ومن الكبائر: أن يسرق، أو يزني، أو يتعامل بالسحر، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة يذكر فيها الكبائر ومنها: ما في قوله صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات -يعني الكبائر التي توبق وتهلك صاحبها- قالوا: وما هن يا رسول الله؟! قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)، ويزاد عليها ما جاء في القرآن من ذكر السرقة والزنا وقذف المحصنات الغافلات، وأن يتولى المسلم يوم الزحف، وكذلك شهادة الزور.
 خمس من فعلها في يوم دخل الجنة
ومن الأحاديث حديث أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة: من عاد مريضاً، وشهد جنازة، وصام يومه، وراح إلى الجمعة، وأعتق رقبة).وهذه الأشياء تتحقق في رمضان أكثر من غيره؛ لأن العادة أن المسلم يصوم فيه يوم الجمعة، كما قد يحضا بهذا الفضل إذا وافق يوم الجمعة صياماً كان يصومه ويواظب عليه، كأن كان يصوم الأيام البيض فوافق أحدها يوم الجمعة، أو كان يصوم يوماً ويفطر يوما فوافق الجمعة يوم صيامه؛ وذلك لأن صيام يوم الجمعة منفرداً نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، أما إذا صامه مع الخميس، أو صامه مع السبت فقد جاز له أن يصوم. ولاشك أن كل مسلم حريص على أن يكون من أهل الجنة، ولذا سيسعى نحو تطبيق قول النبي صلى الله عليه وسلم: من عاد مريضاً أي: يزور مريضاً، وشهد جنازة أي: حضر الجنازة سواء صلى عليها أو شيعها إلى قبرها.قوله: وصام يوماً وراح إلى الجمعة، فيه ضرورة أن يوافق صومه يوم جمعة.قوله: وأعتق رقبة، هذا غير موجود في زمننا، وقد جاء في حديث آخر ذكر الصدقة والحث عليها.والمطلوب من كل مسلم: أن يفعل ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكون ممن يكتبه الله عز وجل من أهل الجنة، أما عن عتق الرقبة الآن فلا يوجد، ولكن يوجد البدل، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث فيها فضائل عمل إذا عمله إنسان كان كأنه أعتق أربع رقاب، وكأنه أعتق عشر رقاب، ومن ذلك ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، يقولها المسلم بعد الفجر مائة مرة فكأنما أعتق عشر رقاب)، وهذا ثواب بشيء معلوم، والعتق الحقيقي ثواب آخر، ولكن هذا الموجود؛ لأنه في زماننا لا يوجد عتق رقاب.
 استحباب الطيب ولبس أحسن الثياب للمصلي والنهي عن الأذى
من الأحاديث التي جاءت عنه صلوات الله وسلامه عليه ما رواه أحمد عن أبي أيوب الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من اغتسل يوم الجمعة، ومس من طيبه إن كان عنده، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج حتى يأتي المسجد فيركع ما بدا له، ولم يؤذ أحداً، ثم أنصت حتى يصلى كان كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى).وفي الحديث شروط أخرى للكفارة فيما بين الجمعة والجمعة، فقد ذكر لنا في الحديث الأول: الوضوء والغسل أفضل وأتم وأحسن، وفي هذا الحديث: (ومسح من طيبه إن كان عنده) أي: من مسك أو نحوه- ولبس من أحسن ثيابه، إذ الجمعة عيد للمسلمين، فالمسلم يأتي الجمعة في أحسن ثيابه لا في ثيابه العامة التي قد تكون غير نظيفة يشم منها رائحة العرق مثلاً، فينبغي أن يأتي إلى الجمعة في ثياب طيبة نظيفة كالتي يلبسها في العيد، أو لتكن من أحسن ثيابه، قوله: ثم خرج حتى يأتي المسجد فيركع ما بدا له، أي: إذا أتى المسلم المسجد فينبغي له أن يصلي، فمن المعلوم أن الصلاة عند دخول المسجد سنة، وفيه أنك إذا جئت إلى بيت الله عز وجل يوم الجمعة فلك أن تصلي ركعتين، أو أربعاً، أو ستاً، أو ثماناً، أو عشراً، أو ما بدا لك، فلم يقيد الإسلام النافلة في هذا الوقت بعدد، بل كلما زدت كان خيراً لك.قوله: (ولم يؤذ أحداً)، هذا قيد أيضاً، أي: أنه لا يأت ويؤذي أحداً من الناس لا في طريقه ولا في بيت الله عز وجل، ولا يسخط، ولا يرفع صوته، ولا يضايق المسلمين كأن يوسع الناس ليجلس هو فيؤذي الناس بجلوسه، أو يتخطى رقاب الناس في أثناء دخوله إلى المسجد، فشأنه أن يبتعد عن أي شيء يؤذي به الناس؛ لقوله في الحديث: ولم يؤذ أحداً، ويتبع ذلك بإنصاته للخطبة؛ لقوله في الحديث: (ثم أنصت حتى يصلى) يعني: حتى يصلي الإمام بالناس صلاة الجمعة، فإذا صنع ذلك كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى.وجاء عن أوس بن أوس الثقفي فيما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنى من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له من كل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها)، وهذا فضل كبير من الله عز وجل أن جعل هذه الأشياء التي يصنعها المسلم كلها للجمعة.قوله: (من غسل يوم الجمعة واغتسل) المرادفات في قوله: غسل واغتسل للتوكيد، والمعنى: كأنه غسل رأسه وغسل بدنه يوم الجمعة فأحسن الغسل.قوله: (وبكر وابتكر) أي: جاء مبكراً إلى صلاة الجمعة، فإنه كلما جاء مبكراً كلما كان ذلك أفضل له، والساعات المرتبة في الحديث تبدأ من بعد طلوع الشمس إلى صلاة الجمعة، فمن بعد طلوع الشمس تبدأ الساعة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة وهكذا، فكلما جاء مبكراً إلى بيت الله عز وجل كان له أجر أعظم.قوله: (ومشى ولم يركب) أي: مشى من بيته إلى بيت الله عز وجل ولم يركب إلا إن دعت الحاجة لذلك، كأن يكون المسجد بعيداً يصعب الوصول إليه دون ركوب. قوله: (ودنى من الإمام)، فإنه إذا جاء مبكراً ودنى من الإمام، كان أدعى لأن يستمع وينصت ويتفكر ويتدبر ويتعظ.قوله: ولم يلغ، أي: لم يفعل اللغو كأن يمس الحصى أو يكلم الذي بجواره، أو ينشغل عن الخطبة بشيء، أو ينام في خطبة الجمعة، بل استمع ولم يلغ، فإنه إن فعل ذلك كان له بكل خطوة عمل سنة صيامها وقيامها، فلو كان بين البيت وبين المسجد عشر خطوات والواقع لا يوجد أحد بين بيته وبين المسجد عشر خطوات، ولكن لو فرضنا ذلك لكان له في كل خطوة عمل سنة من الأعمال الصالحة، فكأنك تصوم وتقوم ستمائة وخمسة وستون يوماً، وكذا إن كان مائة خطوة، وبذلك يضاف يوم القيامة إلى عمرك أعماراً من العمل الصالح الخالص، ومن قصر في ذلك وفرط فهو محروم قد حرم نفسه من الخير، وحرم نفسه من أجر عظيم جداً كان سيناله بقليل عمل. وقد يتشاغل المرء عن هذا بأشياء من مشاغل الحياة وهي كثيرة، ولكن كلما استحضر الثواب وتفكر فيه كلما كان هذا دافعاً له على الحرص على ذلك.نسأل الله عز وجل أن يعيننا على فعل الخيرات وفعل المعروف وأن يجعل عملنا كله صالحاً وله خالصاً وأن لا يجعل لأحد فيه شيئاً.