"قرية لينة التاريخية " أقدم قرية شمالية.. تاريخ وتراث طاعن في القدم

on
  • 2021-12-25 13:01:56
  • 0
  • 1090

تعتبر "قرية لينة التاريخية" التي تقع على بعد 100 كلم جنوب رفحاء بمنطقة الحدود الشمالية من القرى التاريخية المهمة، وتقع في مكان استراتيجي بين النفود والحجرة، وعلى مفترق طرق رئيسية تربطها بالرياض والقصيم وحائل بالطريق الدولي "الحدود والشمالية"، وأيضاً على طريق تجاري قديم يربط نجد والعراق، وبالقرب من درب تاريخي مهم هو درب زبيدة المعروف.

وتعد "لينة" من أقدم قرى الجزيرة العربية، يعود تاريخها كما يروى إلى عهد سيدنا سليمان عليه السلام، أما تاريخها الحديث فهو أكثر اشراقاً، حيث انها إلى وقت قريب تعد مركزاً تجارياً مهماً يجمع بين تجار العراق والجزيرة العربية وخصوصاً أهالي نجد والشمال، وبها مخازن متعددة لحفظ المواد الغذائية لأولئك التجار، ولا تزال آثار هذه المخازن والتي تسمى "السيابيط"، وآثار السوق القديم باقية إلى وقتنا الحاضر.

أقدم مواقع الاستيطان في الجزيرة العربية

ويمكن لزائر "لينة" الآن ان يرى أطلال هذا السوق العظيم والدكاكين المبنية من الطين والمظلات المصنوعة من سعف النخيل على أعمدة كثيرة، وقصر الإمارة القديم التي يجري ترميمها وتطويرها من قبل بلدية لينة بالشراكة مع هيئة السياحة بالمنطقة، لتأهيل وتطوير السوق القديم وقصر الإمارة التاريخي والمسجد القديم والمرافق الخاصة بذلك ضمن مشاريع تأهيل وتطوير أواسط المدن.

تطوير وسط البلدة التراثي

واوضح رئيس بلدية لينة  ان البلدية قامت بتطوير وسط بلدة لينة التراثي والمنطقة المحيطة بها، بالتعاون مع الهيئة العامة للسياحة والاثار بالمنطقة، وتم تهيئة عدد من معالم التراث العمراني التي تتميز بها وسط بلدة لينة، ومنها قصر الإمارة التاريخي والسوق القديم وكذلك الجامع الاثري، من خلال ترميمها وبنفس المواد التي انشئت منها، وكذلك العمل على ربط السوق القديم بالجامع العتيق بعد تطويره، والمنطقة المحيطة بقصر الملك عبدالعزيز التاريخي، والمحافظة على النسيج العمراني المحيط بها.

الى ذلك، أكد مدير عام الهيئة العامة للسياحة والاثار بمنطقة الحدود الشمالية  ان الهدف من ذلك المحافظة على التراث العمراني والمناطق التاريخية لكي يبقى معلم للأجيال القادمة، وتطوير وتجديد عمراني لهذه المنطقة التراثية والتاريخية، وتوفير مسار سياحي في منطقة الحدود الشمالية، والتوظيف السياحي للحي التراثي في قرية لينة، وتحقيق فرص استثمارية ووظيفية في قرية لينة، وتحسين جودة المنتجات والخدمات السياحية، وزيادة وعي المجتمعات المحلية بالمكتسبات الاقتصادية والاجتماعية للسياحة والآثار.

تحوي 300 بئر حفرتها شياطين سليمان.. ومنطقة تبادل تجاري بين نجد والعراق

ان فرع الهيئة بالمنطقة يعمل بالشراكة مع بلدية "لينة" على تشغيل السوق التراثي بعد ترميمه وتهيئته من قبل البلدية، والآن نحن في طور استثمار قصر لينة والسوق التراثيين خصوصاً، وان بلدة لينة في أهم موقع مرتبط بالسياحة البيئية، وفق رؤية وتوجيهات صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، والذي يؤكد دائماً أهمية تهيئة هذه المواقع للأنشطة الاقتصادية والثقافية وتزويدها بالخدمات السياحية اللازمة.

بين نجد والعراق

وبالعودة الى تاريخ "لينة"، فذكر انه يوجد فيها عشرات من المحلات التجارية تمارس فيها جميع الأنشطة التجارية، وذلك تزامناً مع الفترة التي كانت فيها عامرة بتجار نجد والعراق والمنطقة قبل عشرات السنين، إذ كان تجار العراق يجلبون إلى هذه السوق المواد الغذائية بأنوعها مثل الطحين، الرز، السكر، التمر، وكذلك الملبوسات، والأواني، وبيوت الشعر وغيرها، فيما يشتري منهم تجار نجد لتصدير هذه المواد والعودة بها إلى ديارهم، فهي تعد في الماضي القريب حاضرة المنطقة، فهي مرتع التجار وأهالي البادية، لتوفر المياه في آبارها، ولوجود سوق تجارية تجمع بين تجار المنطقة وتجار نجد والعراق، ساهمت هذه السوق في ازدهار المنطقة، واختيار لينة لتخزين المواد الغذائية في غرف من الحجارة لها أبواب.

و"لينة" تتوسط بين النفود والحجرة، وتحيط بها جنوباً الرمال الذهبية والتي تعتبر مرتعاً دائماً للمتنزهين وهواة البر، وهي تحتل موقعاً استراتيجياً بين منطقة حائل والحدود الشمالية، ويعود تاريخ هذه القرية القديم كما روى حمد الجاسر إلى عهد سيدنا سليمان عليه السلام، ويقال إن شياطين سليمان احتفروها، وأرضها خشنة وحجرية، وجاء في كتاب العرب للأصفهاني: "لينة ماء لبني غاضرة من أسد، بينها وبين زُبالة ليلة"، وهي ماء عظيمة من أعظم مياه بني أسد أكثرها افواهاً واعظمها نطفة وأغزرها جماً وأوسعها إعطاء وتعرف لينة بآبارها العذبة، والتي تصل إلى 300 بئر وهذه الآبار محفورة في الصخر بطريقة مذهلة ومحكمة وهي مثار استغراب لكل من شاهدها، لكنها الآن عفى عليها الزمن واندثرت أغلبها ولم تلق اهتماما على الرغم من أهميتها من جميع النواحي ومنها الأهمية التاريخية.

300 بئر حفرتها الشياطين

وقد ورد ذكر "لينة" في العديد من الكتب، حيث ورد ذكرها في معجم البلدان لياقوت الحموي، فقال: لينة بالكسر ثم السكون وفتح النون، قال المفسرون في قوله تعالى "ما قطعتم من لينة" كل شيء من النخل سوى العجوة واحدتها لينة، وقيل ان بها 300 بئر، ويقال ان شياطين سليمان احتفروها، وذلك لأنه خرج من ارض المقدس يريد اليمن فتغدى بلينة وهي ارض خشنة فعطش الناس وعز عليهم الماء، فضحك شيطان كان واقفاً على رأس سليمان، فقال له سليمان: ما الذي يضحكك؟ فقال: أضحك لعطش الناس وهم على لجة البحر!! فأمر سليمان فضربوا بعصيهم فأنبطوا الماء، وقال السكوني: لينة المنزل الرابع لقاصد مكة من واسط وهي كثيرة الركى والقلب "الآبار" ماؤها طيب وبها حوض للسلطان، وهي لبني غاضرة وقيل إن بها 300 عين، والمقصود عين بئر إذ لا عيون في لينه.

وقد ذكر صاحب كتاب العرب لينة بقوله: لينة ماء لبني أسد احتفره سليمان بن داود عليهما السلام، وذلك انه كان في بعض أسفاره فشكا جنده العطش، فنظر إلى سبطر فوجده يضحك فقال: ما أضحكك؟ فقال: اضحكني ان العطش قد اضر بكم والماء تحت أقدامكم، فاحتفر لينة؛ حكاه ثعلب عن ابن الأعرابي، وقد يقال لها اللينة، قال أبو منصور: ولينة موضع بالبادية عن يسار المصعد في طريق مكة بحذاء الهبير؛ ذكره زهير فقال: من ماء لينة لا طرقاً ولا رنقاً، قال: وبها ركايا عذبة حفرت في حجر رخو، وأورد البكري في كتابه معجم ما استعجم: لينة بكسر أوله، وبالنون على لفظ اللينة من النخل: بئر من أعذب الآبار بطريق مكة.

قصر الإمارة التاريخي

ويوجد في بلدة "لينة" قصر الإمارة التاريخي والذي أنشئ بعد توحيد المملكة في عام 1354ه ليكون مقراً للإمارة في المنطقة سابقاً، بقرار من الملك المؤسس عبدالعزيز -طيب الله ثراه - وهو يعتبر من الآثار المهمة، إذ توجد داخله بعض الكتابات الأثرية، التي تحكي تاريخه وسنة تشييده، حيث بني بالكامل من الطين والحجارة، ويحتوي سوره على أربعة أبراج دائرية الشكل، وكانت تستخدم أركانه الأربعة للحراسة والمراقبة، ويتوسط السور بوابة كبيرة مصنوعة من الخشب تفتح من الجهة الجنوبية للقصر، أما الأجزاء الداخلية للقصر فقسمت إلى غرف خاصة لسكن الأمير وأسرته، كما يوجد به مكان مخصص للضيافة واستقبال العامة، ويوجد به مسجد من سعف النخيل، إضافة إلى بئر قديمة، وبه مكان مخصص لخيل الأمير وفي وسطه فناء واسع تطل عليه معظم الغرف. وتعتبر لينة من القرى الغنية بالآثار الجديرة بالاهتمام، و"لينة" التاريخية التي كانت تعد في الماضي القريب حاضرة المنطقة ومكان تلاقي التجار وأهالي البادية، لتوفر المياه في آبارها، ولوجود سوق تجارية تجمع بين تجار المنطقة وتجار نجد والعراق، وساهمت هذه السوق في ازدهار المنطقة في ذلك الوقت، أصبحت تأمل ان يكون هناك اهتمام أكثر بتاريخها العريق وآثارها المميزة من قبل الجهات ذات العلاقة.