• |

فكر داخل الصندوق

تسعى المملكة لتنويع مصادر الدخل، من خلال التوسع في القطاع الصناعي، خاصة وأن الاعتماد على القطاع النفطي   بنسبة 90% من موارد الموازنة، يجعل البلاد مُعرضة لمخاطر التقلبات الاقتصادية، ناهيك عن أن هذا المورد غير متجدد، وفي هذا الاطار قامت وزارة الصناعة بالعمل على تحفيز ودعم الكثير من  الصناعات، ولكن للأسف هناك فرق شاسع ما بين المأمول، وما هو موجود على أرض الواقع، فوفقًا للهيئة العامة للإحصاء، فإن قطاع الصناعات التحويلية الغير نفطية يساهم بنسبة 8.2%  من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.

 فالكثير من الموارد الدولارية للمملكة تستهلك في استيراد الكثير من المنتجات من الخارج، بدلاً من استثمار هذه الأموال في الداخل، وتعظيم العائد، بما يخدم الوطن والمواطن على حد سواء، ويُعزز من قوة المملكة كقوة اقتصادية في المنطقة والعالم،  فلك أن تعلم أن قيمة واردات المملكة وصلت لـ 706.3 مليار ريال،  أي ما يوازي 188.4 مليار دولار خلال العام الماضي وفقًا لموقع  الـ"cnn"، وأبرز الدول المصدرة للمنتجات إلى المملكة العربية السعودية هي الصين والولايات المتحدة الأمريكية واليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية.

 صحيح أن هناك الكثير من السلع المتطورة، لا نستطيع أن نقوم بتصنيعها في الوقت الحالي، لامتلاك الدول سالفة الذكر التقنية المتقدمة الغير متوفرة لدينا، ولكني لا أتحدث عن تصنيع كافة هذه المنتجات، فالمقصد هو دراسة هذه المنتجات، وتحديد ما يمكن أن نصنعه محليًا بجودة مماثلة للخارج، وبسعر منافس، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تعتبر صناعة الملابس من الصناعات المهملة في السعودية، حيث تعتمد البلاد بشكل كبير على استيراد الملابس من الخارج، وخاصةً العلامات التجارية العالمية المشهورة، ففي عام 2018 بلغ حجم استيراد الملابس إلى السعودية حوالي 11 مليار ريال، وهو مبلغ كبير يمكن توجيهه لتطوير صناعة الملابس المحلية.

  حديثي على أن صناعة الملابس مهملة لم يأتي من فراغ، فهناك تراجع كبير في هذه الصناعة، فصناعات الملابس  محليًا لا تلبي سوى 10 % من حجم احتياجات السوق، حيث تمثل الواردات السعودية من الملابس حوالي 90 %، كما تقلصت أعداد المصانع العاملة في صنع الملبوسات بنسبة 5 %، بينما انخفضت نسبة العاملة منها في صنع المنسوجات من أقمشة ومواد خام بنسبة 6 %، وهذا يعني أننا نرجع إلى الخلف في هذه الصناعة، وهنا أتذكر مقولة: "انتبه من فضلك السيارة ترجع إلى الخلف".

 ليس هذا فحسب، بل أجرى مركز الدراسات والبحوث بالهيئة العامة للمواصفات والمقاييس والجودة دراسة  لمعرفة مدى جودة ألبسة الإحرام الموجودة بالسوق السعودي، وكانت النتائج صادمة، حيث كشفت الدراسة أن ٤١٪ منها أقل من مستوى الجودة المطلوب، وأثبتت الدراسة أن نسبة الإنتاج السعودي لألبسة الإحرام تبلغ ٢٪ فقط، بينما باقي النسبة المسيطرة على السوق من إنتاج دول أخرى، ورغم ذلك لم ترق للمستوى المطلوب، وفشلت ١٠٠ عينة من ملابس الإحرام المستوردة أمام اختبارات الجودة التي شملت مقاومة البكتيريا، ومقاومة الأشعة فوق البنفسجية، ومقاومة الشدة، وانتهت الدراسة إلى أن ٧٣ % من ألبسة الإحرام الموجودة بالأسواق حاليا غير مطابقة للمواصفات، وبعضها مصنوع من مادة البوليستر.

 هناك الكثير من المقومات التي تساعد قطاع صناعة الملابس إذا ما توفرت الارادة على تحقيق اكبر نجاح ممكن،  منها على سبيل المثال لا الحصر حجم النمو المتزايد في عدد السكان أكثر من 33 مليون نسمة، %70 منهم دون الثلاثين من العمر،  أما على المستوى العالمي فهذا السوق  ضخم للغاية، فتقدر حجم صناعة الملابس حول العالم بنحو 1.2 تريليون دولار، وتوفر وظائف لنحو 58 مليون شخص حول العالم، وتحقق نسبة %2 من الناتج المحلي في مختلف دول العالم، ومن الممكن أن تستفيد المملكة من هذه الصناعة بشكل خاص، من خلال الاستثمار في مجالات الأزياء الإسلامية،  مما يمثل فرصة كبيرة لتدشين الكثير من المشروعات في هذا المجال، بسبب مكانة المملكة في مجال السياحة الدينية، وحرص المعتمرين والحجاج على التسوق وشراء الكثير من احتياجاتهم الشخصية، لاسيما الملابس، قبل عودتهم إلى بلدانهم(صنع بالسعودية)

 ووفقا للتقرير الأخير الصادر بعنوان "واقع الاقتصاد الإسلامي العالمي 2018/2019" فقد بلغ حجم ما أنفقه المسلمون على قطاع الأزياء الإسلامية تحديدا بلغ 270 مليار دولار، ومن المتوقع ارتفاعه إلى 361 مليار دولار.

قواعد اللعبة تغيرت في الكثير من الصناعات خلال السنوات الأخيرة، خاصة في مجال صناعة الملابس، فالجميع يبحث عن "البراند" لعدة اعتبارات مختلفة، إما للحصول على أفضل جودة ممكنة، أو للوجاهة الاجتماعية، بسبب ارتداء ملابس من "براند" سعره مرتفع،  ولذلك على القائمين على هذه الصناعة أخذ هذه الامور في الاعتبار، فالأهم الآن هو صناعة  أكثر من براند محلي في مجال صناعة الملابس، وتسويقه عالميًا،فبحسب موقع "ستاتيستا" فـ 76% من المتسوقين يفضلون الشراء من البراندات، مما يعكس أهمية قوة البراند في زيادة الثقة بين الشركة المصنعة والمستهلك، ولا يجب أن ننسى بأن صناعة "البراند" ليست بالأمر السهل، فقد يُنفق عليه ملايين الدولارات، فصناعة البراند تعد أحد مفاتيح النجاح لأي شركة أو منتج في السوق، ويعتمد ذلك على التخطيط الدقيق والاستراتيجيات المبتكرة والمتابعة المستمرة ،وهنا سيكون الطريق اسهل حيث ان الاعتماد على سمعة جودة الصناعة السعودية والتي بلغت بحمدالله معظم دول العالم ستساهم كثيرا في سرعة انجاح البراندات السعودية الجديدة المبتكرة .

 وأخيرًا وليس آخرا، ففي هذا المقال لم أبحث عن تفكير خارج الصندوق مثلما نتحدث كثيرًا، بل تحدثت عن صناعة تقليدية في حاجة إلى تطوير ودعم كبير، لكي تكون دافع قوي لتطور الاقتصاد، لم أتحدث عن صناعة الطائرات أو صناعة السيارات وخلافه، رغم أن هذه الأمور مهمة،  ما أريد أن ؤأكد عليه بأن هناك امكانية لتحقيق  تقدم اقتصادي من خلال التراكم، فإذا كانت الدولة لديها مكانة عالمية متميزة في صناعة الملابس أوالزجاج على سبيل المثال، فهي قادرة على تكرار التجربة أكثر من مرة في أكثر من قطاع، وبالتالي تحقيق التقدم المنشود بمشيئة الله.

بقلم:

أ.د محمد احمد بصنوي

الكلمات الدلالية :

المشاركة السابقة

التعليقات ()

  1. لا تتوفر تعليقات بالوقت الحالي

برمجة وتصميم ATMC TECH