"قنا" مدينة الجبل والسهل والوادي

on
  • 2021-12-05 12:29:29
  • 0
  • 510

"قنا" احد المراكز التابعة لمحافظة محايل عسير تقع الى الجنوب الغربي من المحافظة،عندما نتحدث عنها فنحن نسطر شيئاً من قصة الفصول الأربعة ونتنقل بين الطبيعة والتاريخ والأدب والتنمية والتراث والموروث، قنا الخضراء كما يحلو لأهلها قصة بلا نهاية ليست معنية بنقطة آخر السطر لأنها شطر الحسن فبعد أن انتهينا من جولتنا في ربوع قنا الخضراء بصحبة نخبة من شبابها وأبنائها وقطفنا من كل غابة وبستان زهرة لم اجد في ذاكرتي المتواضعة من قاموس الحرف والكلمة ما يصف الواقع ويعبر عن لوحة هي أشبه ما تكون بالخيال، فلوحة قنا تحمل في طياتها جمال الطبيعة وروعة الإنسان وآثار الزمان والمكان وتراث الآباء والأجداد وصدق الكلمة وفنون الشعر والأدب والثقافة المتنوعة.

قنا هي جمع قناة والقناة قصبة الرمح،قائمة مستوية معتدلة وفي الاسم إيحاء بجودة الاختيار وصلابة الأصل وحسن الاستقامة وفيه إيحاء بالقوة والغلبة والانتصار، والقناة مجرى الماء وجمعها اقنية وفيه إيحاء بالامتداد والجمال والخصب فحيث يكون الماء تكون الحياة والاخضرار والبهجة وقد سميت قنا بهذا الاسم كما جاء في إصدار قنا (شطر الحسن.. وقوافي الشعر) نسبة إلى الأقنى من الأنوف وفيه إيحاء بالعزة والشمم، والناظر في الطبيعة الجغرافية والاجتماعية السائدة في قنا يجد خصائص قلما اشتملت عليها بقاع الأرض في تهامة فأوديتها الطويلة الممتدة تقسم قلب الأرض الى نصفين حاملة الماء والحياة إلى هذا القلب النابض بالخصوبة يتزعم هذه الأودية وادي قنا (المجرى المائي الرئيس) الذي ينطلق ليقسم الأرض الخصيبة على ضفتيه وليكون فيما بعد اقدر على الوصول الى خلايا الجسد الطيني.

تقع قنا في الجهة الغربية لمدينة ابها وتفصلها عنها محافظة رجال ألمع التي تحد قنا شرقا ومن الشمال محافظة محايل الأم ومن الغرب بحر ابو سكينة وساحل البحر الأحمر ومن الجنوب محافظة رجال ألمع ويسكن بها اكثر من 45ألف نسمة موزعين في 256قرية وهجرة يعمل بعضهم بالزراعة والفلاحة والرعي والبعض يعمل في السلك الحكومي بالقطاع المدني والعسكري وفئة أخرى تعمل في مجال التجارة ويعد مركز قنا أقدم مركزا إدارياً في تهامة منطقة عسير حيث أسس عام 1346ه وبه أكثر من 45مدرسة و 3مراكز صحية ومحكمة شرعية وهيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومركز للشرطة وشعبة للسجون ومندوبية لتعليم البنات ومركز للدفاع المدني وثلاثة مكاتب للبريد ومركز للاتصالات وجمعية البر الخيرية ومعهد علمي وفرع للزراعة.

لقنا مع الطبيعة قصة ساهم موقعها الجغرافي في نسيجها حينما جمع الله لها تضاريس مختلفة بين الجبل والسهل والوادي وأنفاس البحرالأحمر ودفء مياهها مما اكسبها لوحة جمالية اخاذة وطبيعة عذراء تنمو في خدرها التهامي تحت حبات المطر ولفيف الضباب وعرق أبنائها الذين حملوا على عاتقهم مسئولية تقديم قنا وتثبيتها على خارطة السياحة التهامية بمؤهلاتها الربانية التي تنظر المزيد من الجهود البلدية والتفاتة المستثمرين والقطاع الخاص بوجه عام وتعد تالقة قنا من ابرز الظواهر والمعالم السياحية في مركز قنا ورائعة من روائعه فهي شجرة ضخمة تقوم على شفا بئر ماء يبلغ محيط ذراعها أكثر من 8أمتار تقريبا ينتشر منها 15فرعا وتقف على جذور تمتد إلى أعماق البئر الذي تشرب منه منذ ان نمت حتى يومنا هذا قال عنها الأستاذ علي آل عمر عسيري بأنها اضخم شجرة في الجزيرة العربية وبالتأكيد فإن تالقة قنا شاهد من شواهد التاريخ لأهالي وأبناء قنا الذين يحملون في الذاكرة ما يكفي عن هذه الشجرة العملاقة عبر مراحلهم السنية منذ الطفولة اذ لم يستطع احد من كبار السجن تحديد عمرها الزمني وتتواصل روعة الطبيعة في قنا عبر غابات وادي لتين وحوية والمعشور والخب ومجورة والغرس ووادي قنا وحلوة الذي ينفرد بمقوماته السياحية المعبرة عن روعة الحسن والجمال الطبيعي لقنا اضافة الى مطلات جبال ريمان وغينا والحصن والفصائل والعرق واخلال.

استفاد سكان قنا منذ القدم من كل ما وقع تحت أيديهم فطوعوه لخدمة أعمالهم ومساعدتهم في التغلب على ظروف حياتهم فصنعوا السيوف والخناجر وتفننوا في نقش احزمتها وألبستها كما صنعوا حلي النساء من الفضة غاليا إبرازا للجمال وإقرارا بخالص تفهمهم له وكذلك الفخار للطهي ولحفظ الماء وتبريده إضافة إلى آلة الحرث قديما المصنوعة من الخشب كما صنع القنويون الأبواب والشبابيك وصحاف الطعام وصنعوا من الخوص الحصير والزنابيل والمهاجين والعجار والأكياس وصنعوا الدلي والمفروشات المنزلية من جلود الحيوانات.

زرع سكان قنا الذرة والدخن استثمارا لخصوبة الارض وسدا لاحتياج الأفواه واستثمارا تجاريا للزائد من المحصول وزرعوا السمسم ليستخرجوا منه زيت السمسم (الصليط) اما الان فقد اتجه المزارعون والفلاحون الى زراعة الخضار والفواكه مما حقق لسكان قنا اكتفاء ذاتيا ووفرة في الحصول الذي يصدر لباقي المناطق كما اشتغل البعض منهم بتربية النحل التي درة عليهم دخلا وربحا وافرا الى جانب الرعي.

يضم قنا اكثر من 200مؤسسة تجارية تمارس مختلف الانشطة التجارية التي احدثت نقلة نوعية في مجتمع قنا وساهمت في نموه وتقدمه ورغم الانتشار الواسع للمحلات التجارية والمؤسسات الخدمية الا ان سوق الاثنين الشعبي لازال راسخاً وقائما يتحدى الظروف والمتغيرات العصرية ويقدم رسالة وصورا تراثية اثرية لأبناء قنا جيلا بعد جيل،ويعتبر سوق الاثنين بقنا من أكبر الأسواق وأشهرها في المنطقة منذ ان كان مصدرا للأخبار وميداناً للإعلانات القبلية في قديم الزمان فكان (المعلن) يختاره شيوخ البلد لإعلان ما يستجد من أمور القبائل يملأ أرجاء المكان بصوته الجهوري صائحا بإعلان مناسبة او تحشيد لاستقبال ضيوف او إعلان حرب وغير ذلك من أمور المجتمع التي تتطلب الإعلان عنها ولا تجد غير الصوت حين اجتماع الناس في الأسواق لإبلاغهم وبذلك فإن السوق كان يتجاوز دوره من البيع والشراء إلى ابعد من ذلك،ويعرض في سوق قنا الشعبي المنتوجات اليدوية والمصنوعات الجلدية والأشجار العطرية كالريحان والشيح والبرك والكاذي والسمن والعسل البلدي (السدرة والمجرة والظهيان والسلامة والشوكة والطلحة والمراعي وعصير السمسم والقطران إضافة إلى المواشي.

تضم قنا كما من الآثار والتراث الشعبي الذي يصور شيئاً من ماضي الإنسان الذي عمر قنا وأقواما سادت ثم بادت خلال العصور القديمة شهد بها في قنا عدد من المساجد الأثرية والحصون والقلاع والأسواق الشعبية والمقابر والآبار والعيون والمخطوطات والوثائق والأدوات المنزلية والزراعية وتصور الحصون الأثرية في قنا جانبا من الحياة القديمة التي كانت تعيشها قنا قبل استتباب الأمن والحكم السعودي حيث تقع هذه الحصون والقلاع غالباً على المرتفعات الشاهقة على شكل أبراج مراقبة لازالت شامخة وشاهد عيان أبرزها قصر ابن امزليل وقصبة حربية اسمها قصبة الفاتح وحصن أمسرى.

تتميز قنا بطابع خاص في الفنون الشعبية المتنوعة التي لازالت تتوارث من جيل الى آخر ويحرص ابناء قنا على إحياء هذا التراث وخاصة في المناسبات والأعياد والتي تحمل أبعادا ومعاني مختلفة وذات قيم ومفاهيم ومدلولات تترجم من خلال الحركات التي تصاحب الإيقاع في كل لون من ألوانها الشعبية.

تشتهر قنا بالمأكولات الشعبية التي يأتي في مقدمتها الحنيذ الذي ذكر في القرآن الكريم حيث يعتبر من الأكلات المفضلة والمميزة إضافة إلى العريكة وخبز الخمير والعصيدة والجريشة والفتة وغيرها من الاكلات الشعبية التي لازالت تحظى بها موائد القنويين خاصة في المناسبات والحفلات والاعياد.

وعلى الرغم مما وصلت اليه قنا من النهضة العمرانية والتجارية والتعليمية والصحية والخدمية بشكل عام الا انها تظل تنتظر المزيد من عطاء اليد الكريمة والسخية من حكومة خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله لتكتمل حلتها الجديدة وتتوشح بدرر التنمية الشاملة، فسكان قنا البالغ تعدادهم اكثر من 45الف نسمة يحلمون بمستشفى عام يواكب النمو السكاني لذلك ومجمع قروي يساير النمو العمراني والتجاري ويقدم خدماته البلدية بما يعزز موقع ومكانة قنا الطبيعية والتاريخية ويساهم في نموها وتخطيطها بشكل نموذجي بعيد عن العشوائية إضافة الى توسيع وازدواجية الطريق العام الذي يربط قنا بمحايل عسير المحافظة الأم والذي يعد هاجس للأهالي نظرا لخطورة منحنياته.

المصادر :

جريدة الرياض