تثليـث محـافظـة التاريخ والآثار تتحدث عن عراقة وحضارة مزدهرة
on- 2023-01-31 13:46:10
- 0
- 2415
محافظة تثليث هي محافظة سعودية تتبع إدارياً لمنطقة عسير، وتقع في جنوب غرب المملكة العربية السعودية.
تعتبر محافظة تثليث من أهم المدن التي تقع على ضفتي وادي تثليث. وهي من أكبر محافظات عسير مساحة. كما تعد مركز الحضارة لقبائل قحطان وقبائل عربية أخرى هاجرت إلى الجزيرة العربية منذ القدم.
ورد اسم تثليث في كثير من كتب التاريخ والتراث القديمة مثل كتاب « معجم ما استعجم » للبكري وكتاب « معجم البلدان» لياقوت الحموي وكتاب « صفة جزيرة العرب » للهمداني وغيرها، وكل تلك الكتب تحدثت عن تثليث كبلد وكواد كبير وذكرت أنه من أهم محطات القوافل لحجاج شرق اليمن وحضرموت ونجران، وأن هذا البلد كان كثير المياه والقرى والسكان.
استوطنت تثليث عدد من القبائل العربية القديمة مثل بني عقيل وبني نهد من قضاعة وقبائل مذحج القحطانية ومنها قبيلة مراد من زبيد التي ينتمي إليها الشاعر الفارس والصحابي الجليل عمرو بن معد يكرب الزبيدي الذي كان يسكن تثليث عندما ظهر الإسلام فوفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم وحسن إسلامه، وكان لذلك الشاعر حصن ونخل في تثليث إذ ذكرت ذلك الكثير من المصادر التاريخية عند الحديث عن سيرته وفروسيته وسيفه الشهير ( الصمصامة ) الذي توارثه الكثير من الخلفاء واحدا بعد الآخر، وعمرو شاعر مجيد ورد اسم تثليث في كثير من أشعاره، كان أهل تثليث من السباقين الأوائل الذين طبقوا نظرية الاستقرار أو ما سمي بالهجر واستقرار البادية، وكانت أول وثاني وثالث هجرة خارج منطقة نجد في تثليث سنة 1333هـ تقريبا وهذه مثبتة بوثائق وتواريخ مثل هجرة المدينة والغزالة والنقرة والتي تعتبر نواة لمركز محافظة تثليث الحالية وتحتوي على جميع الدوائر الحكومية وهي واحدة من أهم المحافظات على ضفتي وادي تثليث العملاق التي تلفها المزارع وأشجار النخيل والإبل مع إصرار أبنائها على العمل لملاحقة ركب البناء مع المحافظة على الأصالة والموروث العريق.
تثليث قديما كانت موضعا في بلاد بني عقيل وقيل أنها أرض شجيرة (أي كثيرة الأشجار) وقال الهمداني: تثليث واد في نجد وهو على مسيرة يومين من جرش شرقها وثلاث مراحل من نجران وقال: إن تثليث لبني زبيد وفيها مسكن عمرو بن معد يكرب الزبيدي. والمتتبع لشعره يجد أن أسماء المواضع التي وردت فيه جميعا تقع حول تثليث ولا تزال تعرف بأسمائها القديمة.
إن وادي تثليث كان وما زال موطن حضارة واستقرار منذ الأزل وكل الدلائل تؤكد ذلك. ولعل أهم هذه الدلائل الآثار التي تنتشر في كل مكان من أرجاء الوادي الكبير وروافده العديدة وهي آثار لا يعرف لها تاريخ محدد ولكن معظمها يدل على أنها موغلة في القدم منذ العصور الجاهلية الأولى. وآثار يدل رسمها على أنها في صدر الإسلام وأخرى في عصور متأخرة.
ومن هذه الآثار بقايا الجدران الحجرية وأطلال قلاع وحصون طينية وسدود من الحجر والطين والرمال ومقابر جماعية وآبار يقال عنها الآبار الجاهلية وجداول مياه تجلب من أماكن إلى أخرى وما يعرف بآثار التعدين وهي كثيرة كانت تستخرج منها أصناف من المعادن مثل الذهب والحديد والرصاص والفضة وذلك في العصور الجاهلية وفي عصر الدولة العباسية. ومن الآثار أيضا الكتابات والنقوش التي تنتشر بكثرة في جبال تثليث خصوصا جبال شرق تثليث وهذه النقوش والرسوم تتميز بالدقة والإتقان وتدل على عراقة وحضارة مزدهرة في عصرها وهذه الكتابات جميعها إلا ما ندر كتابات جنوبية حميرية وسبأية.
وهناك آثار مستوطنة قديمة في وسط حوض تثليث قرب منهل برودان ( البردان سابقا) لم يبق منها إلا أطلالها ورسومها، ومساحتها في حدود كيلومتر طولا و800 متر عرضا وكل جدرانها دائرية على شكل إسطواني وهذا النمط كان سائدا قديما إذ كانوا يحرمون المباني المربعة التي تضاهي شكل البيت الحرام في مكة المكرمة وظل ذلك التحريم حتى بنى عبد المطلب بن هاشم منزلا مربعا.
أما المنطقة الأثرية التي تبعد عن مدينة تثليث حاليا حوالى 25 كم جنوبا فيرجح أنها كانت المركز الحضاري الأول لوادي تثليث.
وكانت تثليث من أهم محطات القوافل المتجهة من شمال وشرق اليمن ومن حضرموت ونجران إلى الحجاز والشام في الجاهلية والإسلام، وقد ذكر الهمداني في « صفة جزيرة العرب » وصفا لمحجة حضرموت حيث أشار إلى ثلاث محطات رئيسية هي الهجيرة التي تعرف الآن باسم الجعيفرة وتثليث التي تقع آنذاك قرب منهل برودان وجاش القديمة وهي مليئة بالآثار منذ زمن سحيق وذات حضارة مستمرة حتى الآن وكل هذه المحطات تقع على نسق واحد من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي ويتناقل الناس عن قدمائهم فيما يشبه الأساطير أن وادي تثليث قديما كان مليئا بالمياه والمزارع والسكان وأنهم كانوا يتناقلون أخبار المواليد والأخبار الأخرى في أوقات وجيزة من الجزء النجدي في الشمال إلى الجزء الحجازي في قمم الجبال وأن ذلك بسبب كثرة السكان وازدحامهم، إلى أن أتتهم سيول مدمرة قضت على كل شيء.
ووادي تثليث من أكبر وأطول الأودية الشرقية لسلسلة جبال السروات إذ يمتد من غرب ظهران الجنوب حتى وادي الدواسر شرقا بطول يتجاوز الأربعمائة كيلومتر ويرفده أكثر من ستين واديا من أهمها الأودية الثلاث وهي وادي الثفن، وادي جاش، ووادي الرسين وهذه الأودية الثلاثة التي ترفد تثليث على مسافات شبه متساوية من ناحية الغرب ربما تكون سببا في تسمية تثليث بهذا الاسم ووادي هذا شأنه من حيث الحجم والموقع والامتداد لا بد أن يكون مهدا لحضارات قديمة سادت في عصور غابرة ثم بادت في عصور أخرى ثم عادت للظهور مرة أخرى في العهد السعودي الزاهر خصوصا وأن هذا الوادي العظيم من أكبر الأماكن ملاءمة للتحضر والاستقرار لعدة أسباب أهمها: وفرة المياه وخصوبة التربة واتساعها واعتدال المناخ.
وتضم تثليث العديد من المعالم الأثرية ومنها:
- قلعة الجعيفرة: الواقعة بين الحمضة و الأمواه والتي تبعد 75 كم من مدينة تثليث وكــان سكانهــا من أسرتي عاديان وسقم من قبائل مذحج القحطاني الأصل، وهناك أطلال بيوت حجرية و أسوار وسدود وآبار قديمة في الموقع ذاته، الجعيفرة الهجيرة قديما والقريبة من منجم الـذهب في الحمضة.
- نجد الرحى: الواقع على بعد 5 كم شرق برقاء جاش في أعلى شعيب العاصد وهو عبارة عن أطلال بيوت حجرية قديمة وأواني حجرية كالرحى والصحون وغيرها و آبار منحوتة في الصخور ربما تكون مناجم قديمة لاستخراج المعادن الثمينة ويذكر أن ألوان حجارة هذا الموقع غريبة في لونها الناصع البياض والاحمرار والأرجواني وقد زارها المستشرق الإنجليزي فيلبيس .
-أبو ديام: ويقع غرب بلدة جاش على بعد 5 كم تقريبا ومنه أطلال غرب قديمة ومسجد صخر كبير في الجبل القريب منه وهناك على طول امتداد وادي جاش وتثليث بقايا بيوت مبنية من الطين والحجارة بعضها قديم جدا لا يعرف عنها أي شيء، وكان للصحابي عمر بن معد يكرب حصن ونخل في جاش وهو من قبيلة ( مراد) من زبير بن كعب بن الحارث ومنهم أسرة عبد المدان الذي امتد ملكهم من ضواحي جاش وتثليث حتى نجران.
- جرف علياء: الذي يقال: إنه كان المكان المفضل لعلياء التي أحبها زيد الهلالي في قصص السيرة الهلالية.