الأبعاد التاريخية لمسميات أحياء الرياض

on
  • 2023-05-14 13:49:43
  • 0
  • 273

تحتضن العاصمة الرياض أكثر من 200 حي على امتداد رقعتها الجغرافية التي تزيد عن "ثلاثة آلاف كيلو متر مربع"، مشرقة بجانبها الحضاري المتنامي، لواحدة من أكبر العواصم في المنطقة، ومنفردة بهوية تستند على إرث موغل في التاريخ.

واقترنت مسميات الأحياء في مدينة الرياض، خاصة القديمة منها بأسماء الطبيعة الجغرافية أو الصفة المناخية للمكان، أو المواقف والقصص التاريخية أو أسماء الأسر والأشخاص على مدى قرون وعقود طويلة؛ فكانت لها دلالات خاصة تشير إلى سبب التسمية.
وتفيد المصادر التاريخية إلى أن بعض مسميات أحياء الرياض لها عمق تاريخي ضارب في جذور الزمن، بل إن بعضها لا يزال يحتفظ باسمه الجاهلي حتى هذه اللحظة.

فإذا أخذنا "منفوحة" مثلاً وجدناها من الأحياء العامرة في الجاهلية وصدر الإسلام، وفي العصر الحديث تعد أبرز قرى وادي حنيفة الملاصقة للرياض، قبل أن تتوسع هذه الأخيرة وتتحول منفوحة إلى حي من أحيائها.
وحفلت كتب التاريخ والبلدان بذكر هذه البلدة، حيث ذكرها الأصفهاني والهمداني والبكري وياقوت الحموي وغيرهم، وزارها الكثير من الرحالة ودونوا مشاهداتهم عنها.

وعن تأسيسها يذكر الحموي في كتابه "معجم البلدان" أن تاريخها يعود إلى أن قبيلة بني حنيفة لما نزلت حجر اليمامة "الرياض الآن" بقيادة زعيمهم "عبيد بن ثعلب الحنفي"، قدمت عليه بطون من أبناء عمومته من بني قيس بن ثعلبة؛ فطلبت الجوار بقربه بعد أن مكثت مع بني حنيفة فترة من الزمن، ثم طلبوا من عبيد أن يمنحهم أرضاً بجوارهم، فنفحهم جزءاً من الأرض فسميت "منفوحة".

و جاء ذكر منفوحة في شعر "الأعشى"، وله قصر فيها يسمى " المنفوحي" ويشير الدكتور "راشد العساكر" صاحب كتاب "منفوحة في عهد الدولة السعودية الأولى والثانية" أن هذا القصر يقع شمال قصبة البلدة بنحو كيلو متر تقريباً، وله امتداد واسع من جميع جهاته، ومساحته كبيرة حسب رواية من شاهدوه قبيل منتصف القرن الرابع عشر الهجري، على أن خالد السليمان صاحب "معجم مدينة الرياض" يرى أن القصر؛ ربما يعود لأحد حكام منفوحة القدامى.

وقد نظّمت وزارة الثقافة فعالية في حي منفوحة، بعنوان: "حياة الأعشى" ضمن مشروعها؛ لإحياء التراث العربي والاحتفاء برموزه، استعرضت فيها فقرات متنوعة من مسيرة هذا الشاعر، ورحلة حياته التي قضاها في حي منفوحة التاريخي بالرياض.

أما "حي المصانع"؛ الواقع جنوب الرياض؛ فالثابت أنه اسم قديم، يقول ياقوت: " المصانع قرية من قرى اليمامة لم تدخل في صلح خالد بن الوليد ... وهو نخل لضور بن رزاح"، ويطلق مسمى المصانع على البناء المرتفع، يقول تعالى: "وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون"، وربما هي صنوع مياه سقيا النخيل، وقال منصور العساف: "بل سمي نسبة إلى مصانع الحديد التي كانت تزدهر في حجر اليمامة ووصفها ابن منظور – وهو من علماء القرن الثامن الهجري – بقوله: "حدائد حجر فائقة الجودة".

و يعود "حي خنشليله" الذي أبدل اسمه إلى "المنصورة"، إلى أكثر من خمسة قرون، وذلك نسبة إلى امرأة كريمة تسمى "جليلة" وهي ابنة الوجيه "عبد المحسن بن سعيد الدرعي الحنفي"، وكانت "جليلة" قد أعدت وقفاً أو نزلاً للحجاج القادمين من المشرق، وابتغت بذلك وجه الله سبحانه، فأسموه الحجاج "خان جليلة"، ليتحول الاسم فيما بعد إن - صحت الروايات - إلى "خان شليلة".

وذكر "خالد السليمان" في كتابه "معجم مدينة الرياض" أن هنالك سوقاً قديمة وسط مدينة الرياض أطلق عليها سوق "الخان"، إلاّ أن مبانيها اختفت واندثرت معالمها.

و "غبيراء" حي مشهور يقع في شرق منفوحة مما يلي العود، ولعله المعني في قول الشاعر محمد بن علي الطبري:
ويحسب الناس من أهل البديع ومن أهل السليمية الغبرا ومعكانا , وبما أن "معكان" أو "معكال" ورد في البيت الشعري السابق، فتجدر الإشارة إلى أنه معمور منذ أكثر من سبعة قرون، وكان يشكّل مع "مقرن" ما يعرف بالرياض في القرن الثاني عشر الهجري، واسم "معكال" قديم يعود إلى عصور الجاهلية؛ لكنه برز بعد أن اختفى اسم حجر.

أما "الحبونية" فقد ذكرها ابن بشر في حوادث 1162م، وتابعه في ذلك الشيخ حمد الجاسر، ولعلها التي أشار إليها ياقوت الحموي بقوله: " حبوتن هو اسم واد باليمامة" وربما أن الاسم تصحف عليه، وهي اليوم من الأحياء القديمة في وسط الرياض، غرب منفوحة وشمالاً من الطويلعة.

و يقال: إن "حي الفوارة وهو جزء من "حي الفاخرية" الحالي وسط الرياض، يعود اسمه إلى زمن النبي - محمد صلى الله عليه وسلم - وذلك حينما وهبه إلى الصحابي الجليل "مجاعة بن مرارة الحنفي"، إلاّ أن اسمه حين ذاك كان "الفورة"، كما عند ياقوت في معجمه، وقال الحفصي: "الفورة بالضم روض ونخل".

والمعيقلية الواقعة في قلب العاصمة، حي مشهور بدأت عمارته في زمن الإمام فيصل بن تركي، ولازال يحتفظ باسمه إلى هذا اليوم، ومثله حي الظهيرة.

وعن "حي العجلية، يقول الشيخ إبراهيم بن محمد بن عثمان: إنها تنسب في الأصل إلى بني عجل بن لجيم الذين جاوروا بني حنيفة في سكنى حجر، وهو الآن حي عامر، شمال الرياض القديمة، يحده شرقاً طريق الملك فهد، وغرباً حي الشعبة، وشمالاً مرتفعات الوشام، وجنوباً القرينين.

و "السُّلي" الذي يعد من أكبر أحياء جنوب شرق الرياض الآن، يقول عنه الهمداني في صفة جزيرة العرب: "وأما السُّلي فوادٍ عظيم، ففرع السُّلي من دون قارات الحبل من عين يمين حَجر من قصد مطلع الشمس، يلب خنزير بينه وبين برقة السخال فيه الحفيرة العليا والحفيرة السفلى وهما ماءان دفانان وفي وسط السلي من تحت خنزير هيت النجدية".

و "الجنادرية" اسم ورد في كتب التراث العربي القديم لثلاث رياض متجاورات، يدفع في الشرقية الشمالية منها "غدير الحصان"، ويدفع في الغربية الشمالية "بنبان"، ويدفع في الجنوبية "أبو الجرفان"، وتعتبر من متنزهات الرياض ومتربعاته قديماً، وحل محلها اليوم حي كبير تأسس قبل عدة عقود وأخذ اسمه منها، ومن ضمن الأحياء الداخلة فيه "حي المعيزيلة" نسبة إلى رملة تتعلق ببطن وادي السلي، وقديماً كانت السيارات تعلق فيها، وأصبحت الآن أثراً بعد عين بعد تمدد العمران واختراق الطرق لها.

أما "لبن" فقد كان واد فيه نخل "لبني عبيد بن ثعلبة" من أرض اليمامة، قاله ياقوت عن الحفصي، وفيه الآن قرية عامرة في أسفل الوادي، وفي أعلاه ما يسمى الآن "بضاحية لبن" وهو حي حديث منظّم ومكتظ بالسكان.

و يعتقد أكثر الناس أن اسم "حي الموَنّسيّة" مستحدث كونه أحد الأحياء الجديدة الواقعة شمال شرق الرياض، إلا أن التاريخ يقول: إن أصل المسمى لبئر على طريق القوافل المتجهة من الرياض إلى البصرة قديماً، يقول ابن خميس: "المونسية منهل شمال الرياض، شرق مغرزات بميل نحو الشمال، في القف الذي يقبل من بنبان، ويسيل منه وادي العقلة، فوادي المونسية يسيل من قمة هذا القف مشرقاً، وإذا تكاملت روافده العليا فهنالك "ماءة المونسية" عدة أفواه وماؤها طيب، وهي أشبه بماء المشاش، يتوافر ماؤها مع كثرة السيول ويقل مع عدمها".

وفي المكان الذي اختط فيه "حي المغرّزات" شمال شرق الرياض، قور متجاورات اسمها " مغرّزات" شمال الرياض، قريب من مطارها القديم شماليه، ينحدر سيلها على وادي البطحاء "الوتر سابقا"، وقد يكون هذا الاسم أحدث من سابقيه، بيد أنه استلهم تاريخه من الأبيات الشعرية الشهيرة التي مطلعها: "وردوها هيت واخطاه الدليلة" .

وأخيراً "حي المهدية" الذي تأسس حديثاً، نسبة إلى مجاورته لرافد من روافد وادي حنيفة بين "وبير" و "عرقة" وهو شعب كبير به منهل يسمى "مهديه" فأخذ اسمه منه.

يذكر أن أغلب أحياء الرياض؛ خاصة القديمة منها تستلهم مسمياتها من خلفيات تاريخية قديمة، وقد عني الباحثون من أبناء منطقة الرياض بتدوين ذلك في كتبهم ومقالاتهم، أمثال حمد الجاسر، وعبدالله بن خميس وعبدالرحمن الرويشد، وخالد السليمان، والدكتور أحمد الوشمي، والدكتور راشد بن عساكر، ومنصور العساف، وغيرهم.

المصادر :

واس