ما هو التقشف الاقتصادي وماهي نتائجه؟

on
  • 2022-03-13 12:22:51
  • 0
  • 502

عقب الأزمة المالية العالمية التي ضربت العالم في 2008، ظهر إلى السطح مصطلح التقشف الاقتصادي، كأحد الحلول التي تقلص عجز الموازنة العامة للدولة، وتعمل على إصلاح المالية العامة التي تضررت في ذلك الوقت في عدد كبير من دول العالم.

التقشف الاقتصادي يشير إلى مجموعة الإجراءات التي تتخذها الدولة لتخفيض عجز الموازنة العامة (عجز الموازنة العامة يعني ارتفاع حجم الإنفاق العام للدولة عن حجم الإيرادات العامة التي تحصل عليها)، وتنقسم إلى إجراءات تهدف إلى خفض الإنفاق العام وأخرى تُعظم الإيرادات العامة للدولة.

تشمل إجراءات تخفيض الإنفاق العام خفض فاتورة أجور موظفي الدولة، وتخفيض عددهم، وتخفيض الاستثمار العام، وتخفيض الدعم الحكومي على السلع والخدمات الأساسية. أما إجراءات تعظيم الإيرادات العامة فتشمل استحداث ضرائب جديدة، وتعديل الشرائح الضريبية الموجودة، ورفع التعريفات الجمركية، ورفع الرسوم على الخدمات العامة، وخصخصة وبيع المنشآت العامة.

يعتبر التقشف الاقتصادي حلاً لخلل المالية العامة أو الأزمات الاقتصادية التي تواجه أي دولة، بينما يعتبر في وجه نظر بعض الاقتصاديين والمؤسسات الاقتصادية، الحل الوحيد القادر على حل المشكلات الاقتصادية، بينما يعتبر في نظر البعض الآخر، هو السبب في حدوث المزيد من المشكلات ويؤدي لتفاقم الأوضاع الاقتصادية.

بالنظر إلى عدد كبير من الاقتصاديين الغربيين وكذلك مؤسسات بريتون وودز 1945 (صندوق النقد، البنك الدولي) فإن التقشف هو الحل الوحيد الناجع لمحاربة الخلل في هيكل المالية العامة، ذلك الخلل الناتج عن توسع الدولة في الإنفاق، بحسب ما قالوا.

على سبيل المثال يقدم صندوق النقد عدداً من التوصيات للدول التي تطلبها، تضمن بشكل أساسي الالتزام بخطة تقشف اقتصادي، وإجراءات تقشفية تنحصر في عدد ثابت من النقاط.

تتمثل اشتراطات الصندوق في تطبيق برنامج للإصلاح الاقتصادي والمالي، كشرط للحصول على دعم الصندوق المالي المتفق عليه، وأهم هذه الاشتراطات في تخفيض نسبة الدعم من الإنفاق الحكومي، وضغط الإنفاق الحكومي نفسه بشكل كبير.

كما تنص الاشتراطات على تحرير أسعار الصرف للعملات الأجنبية، وتحرير أسعار الغذاء والوقود بشكل أساسي، بالإضافة إلى زيادة الأوعية الضريبية، وتطبيق عدد من أنواع الضرائب المختلفة كالمبيعات أو القيمة المضافة، في محاولة لتطبيق نظام ضريبي كفء.

من ناحية أخرى يرى الفريق المعارض لسياسات التقشف، أن السياسات التقشفية ما هي إلا استمرار للأزمة التي تضرب أي بلد، بل إن أنهم يرون أن السياسات التقشفية تزيد الأمر سوءاً خاصة على المستوى السياسي والاجتماعي، إذ إن للتقشف فاتورته التي تكون غالباً فاتورة باهظة الثمن.

يمكننا القول بشكل مختصر إن التقشف الاقتصادي قد يقود إلى نتائج إيجابية على صعيد الاقتصاد الكلي، أبرزها تخفيض عجز الموازنة العامة، وتخفيض الدين العام، وتشجيع للقطاع الخاص -الذي يتوقف على عوامل أخرى بجانب عدم مزاحمة الحكومة- بينما وعلى الجانب الآخر يقود إلى عدد من النتائج السلبية التي تؤثر بشكل مباشر وحاد على مستوى معيشة الأفراد، أهمها ما يلي:

1. ارتفاع تضخم الأسعار:

إن رفع دعم الدولة عن السلع والخدمات الأساسية يؤدي بطبيعة الحال إلى ارتفاع أسعارها، وارتفاع أسعار السلع الأخرى التي تعتمد على السلع المدعومة في تكلفتها. فرفع الدعم عن أسعار الوقود تؤدي إلى ارتفاع أسعار خدمات النقل والمواصلات، وارتفاع أسعار الكهرباء تؤدي إلى ارتفاع تكلفة المصانع وبالتالي ارتفاع أسعار منتجاتها.

2. انخفاض مستوى الأجور الحقيقية:

الأجر الحقيقي هو ناتج قسمة الأجر النقدي على مستوى التضخم، وبارتفاع التضخم يقل الأجر الحقيقي، خاصة وأن الأجر النقدي لا يرتفع بسبب الاتجاه التقشفي، وعليه فإن القدرة الشرائية للأفراد تتراجع، بمعنى قلة حجم السلع والخدمات التي يستطيع أن يشتريها الأفراد.

3. ارتفاع البطالة:

تقود الإجراءات التقشفية إلى تسريح عدد من العمالة داخل القطاع العام، في حين يقود ارتفاع تكلفة الإنتاج (الناتج عن ارتفاع الأسعار) إلى تقليل فرص التوظف داخل القطاع الخاص، لأنه لن يتحمل دفع فاتورة أجور أكبر في ظل ارتفاع تكلفة الإنتاج، وربما يحاول تقليل العمالة لديه.

4. ارتفاع اللامساواة:

أثبت عدة دراسات اقتصادية أن اجراءات التقشف الاقتصادي تضر بشكل مباشر بالطبقة الوسطى، التي لا يمكن أن تنتقل من وظائفها بسهولة، وهم الطبقة الأوسع والأكثر تحملاً، فهم النسبة الأكبر من دافعي الضرائب، في حين يزداد الفقراء فقرًا. بيد أن الحكومات في هذه الحالة تحاول تطوير برامج مالية لدعم الفقراء وتوسيع شبكات الأمان الاجتماعي.

5. تراجع الطلب الكلي:

سبق وأن أوضحنا أهمية الاستهلاك أو الطلب الكلي في دفع النمو الاقتصادي، طبقًا لنظرية كينز، وبطبيعة الحال فإن تراجع القدرة الشرائية للمواطنين بالتوازي مع انخفاض الإنفاق العام للحكومة يقودان إلى تراجع الطلب الكلي، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى الدخول في حالة من الركود الاقتصادي.