قرية المسقي التراثية... تاريخ وحضارة منذ 1700 عام

on
  • 2022-09-06 11:51:43
  • 0
  • 436

تقع قرية المسقي جنوب مدينة أبها على مسافة نحو 33 كم، بالقرب من الطريق الرابط بين تمنيه وأبها، كما تقع جنوب جامعة الملك خالد على مسافة نحو 3 كم، وتتوافر معظم الخدمات في النطاق المحيط للقرية مثل المساجد والمدارس ومركز الشرطة ومكتب البريد والمركز الصحي.

تعد بلدة المسقي من أقدم القرى جنوب المملكة العربية السعودية، حيث كانت تعد محطة عبور للمسافرين إلى الأماكن المقدسة وبلاد الشام، وتشير الروايات إلى أن تاريخ القرية يعود إلى أكثر من ألفي عام تقريباً، وهي تعد من القرى الظاهرة التي ذكرها الله عز وجل في القرآن الكريم في سورة سبأ (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلتي بَٰرَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَٰهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسيْرَ ۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِىَ وَأَيامًا ءَامِنِينَ) أي قرى ظاهرة (متواصلة) بين كل من سبأ والشام.

تمثِّل قرية «المسقي» التراثية، نموذجاً في الجمع بين ملامح القرية الجنوبية التقليدية والبلدة ذات الطابع الحضري، فالعمران الطيني التراثي هو سر إبداع الأجداد، والتكامل الاقتصادي داخل محيطها يمثِّل عصوراً متعاقبة، ويشير إلى مكان يضج بالحياة والحضارة منذ أزمان بعيدة.

تمتد القرية التراثية من الشمال إلى الجنوب بطول 450 متراً تقريباً وعرض 200 متر ، وتُصنّف ضمن القرى التراثية الكبيرة حيث يُقدر عدد منازلها بأكثر من 450 منزلاً منها 140 منزلاً كانت مأهولة إلى وقت قريب.
و يعد التصميم العمراني لمرافق القرية " مميزاً كونها تغلق بأربعة أبواب وبها ممرات وأنفاق يصعب على الغريب معرفتها وتسمى" الشداخة" تمتد من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب وكل ممر له اسم خاص به.
ومن أبرز معالم القرية "الجامع الكبير" الذي يتوسط القرية على ربوة عالية وتقدر مساحته بـ 409.25 أمتار مربعة، مر خلال تاريخه بعدة ترميمات كان آخرها عام 1397 هـ، حتى وصل إلى وضعه الحالي وقد بقى من بنايته الأصلية البئر و البركة ( الخزانات ).
ويكشف لوح خشبي عُثر عليه في سقف المسجد عن أن بناءه كان بين (عامي 70 – 73 هـ) وهو ما أكده الرحالة "الهمداني" في كتابه "صفة جزيرة العرب" ، ولأهميته التاريخية اختير ضمن المرحلة الثانية من مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية، حيث ستصبح مساحته بعد الترميم 405.72 أمتار مربعة ويتسع لـ(156) مصلٍ.
ويوجد في قرية المسقي مسجد "شاهر" المعروف - بالمسجد الأعلى - والذي بني سنة 815 من الهجرة ولا يزال بطبيعته وهو نسخة مصغرة من الجامع الكبير في النسق العمراني ويقع جنوب القرية، كذلك مسجد آخر يتعارف عليه الأهالي باسم "المسجد الأسفل" وهو قديم جداً وقد تم هدمه حديثاً ثم إعادة بنائه بالوضع الحالي ويقع شمال شرق القرية.
واشتهرت القرية قديماً بحيوية أهلها وترابطهم الاجتماعي ومما يدل على ذلك وجود الساحات العامة المسماة "البسطات" حيث تعد متنفساً للسكان يمارسون فيها مختلف الأنشطة الاجتماعية ومن أبرز الساحات العامة مواقع مثل "المحانذ " و "التالقة" و "المنظى" و"الهشم" و" الطيح" وغيرها .
ولكون " المسقي" محطة من محطات القوافل منذ أزمان بعيدة فإن النشاط التجاري كان أبرز أنشطتها اليومية ، حيث كانت القرية تضم 47 محلاً تجارياً تعرف "بالدكان" وتمارس فيها أنواع التجارة والحرف اليدوية ، إضافة إلى أن القرية كانت تضم سوقاً شعبية يقام يوم الأحد من كل أسبوع ، تجتمع فيها قوافل التجارة القادمة من منطقتي نجران وجازان وتهامة عبر وادي بيش وعقبة القرون.
وبرزت في هذا الجانب إحدى سيدات الأعمال التي عاشت في حدود الستينات الهجرية وكانت تعمل في مجال توريد المواد الغذائية والحبوب من تجار جازان.
وصُممت القرية على مر العصور بطريقة هندسية مدهشة حيث تتخلل المنازل والساحات طرق وممرات داخلية تربط جميع بيوت القرية بسلاسة وإتقان، مع مراعاة الجوانب الأمنية، خاصة في أوقات الحروب ومن أبرز تلك الممرات ، السبل المسقوفة والتي تعرف محلياً بـ "الشداخة " وتحتوي القرية على 21 شداخة تتسلل داخل القرية عرضاً وطولاً وأشهرها "شداخة بعرور" ويبلغ طولها الإجمالي 398 متراً.
أما السبل العامة فهي كثيرة ومن أبرزها سبيل كامل وسبيل حصنة وسبيل خاطر و سبيل علوانة وسبيل الحرازي وسبيل العالية وغيرها، ويبلغ طول هذه السبل والطرق ما يقارب 4116 متراً . وبحسب الرفع المساحي للقرية يبلغ إجمالي أطوال السبل والطرق مع الشداديخ حوالي 4514 متراً .
وتشهد الآثار التي تحتويها القرية على تاريخها العريق ، حيث تضم برجين مربعي الشكل ، ويتكون كل برج من أربعة طوابق ، ويقع أحدهما في أعلى القرية بالقرب من شجرة الرقاع " التالقة" المعمرة والآخر أسفل القرية مقابل بيت شيخ القبيلة في طرف الساحة الشعبية.
وتحتوي القرية على 67 قصبة حربية وهي بمثابة أبراج المراقبة قديماً، وتوجد كذلك آثار لافتة للنظر تسمى " المحانذ" وهي أبراج للسكن وتخزين الأسلحة والحبوب ، إضافة إلى "المدافن" المنحوتة تحت البيوت لتخزين حبوب المحاصيل الزراعية.
وتعد الآبار القديمة المزود الأول للقرية باحتياجاتها من المياه سواء لأغراض الشرب والطبخ أو لري المزارع حيث تضم القرية داخل أسوارها 6 آبار .
تحيط بالقرية عدة جبال مختلفة الارتفاع ومن أبرزها جبال "جربان" و"جريبة" غرباً و جبل "لذن" شرقاً ، وتمر بمحاذاة القرية عدة أودية من أبرزها وادي"عتود" الذي يبدأ مصبه من مركز "تمنية" وينتهي في وادي بيشة من الجنوب إلى الشمال وهناك أودية فرعية شرق القرية وغربها منها ( وادي جريان، ووادي العطفة، ووادي طريفانه، ووادي العين، ووادي عذيبة) وغيرها.
وشهدت القرية منذ عدة أشهر إعادة تأهيل لبعض القصور الأثرية واستثمارها سياحياً من خلال إنشاء مقاهٍ ونزلٍ على النمط التراثي المستخدم قديماً، وذلك باستخدام مواد البناء التقليدية المستخرجة من الطبيعة المحيطة بالقرية وإعادة استخدام أخشاب وأحجار المباني المتهدمة كلياً.

 

المصادر :

واس / الموقع الالكتروني لهيئة تطوير منطقة عسير