تشكل الإبل في جازان ركيزة من ركائز الإرث الاقتصادي والثقافي بالمنطقة
on- 2025-10-11 14:00:43
- 0
- 15

تتميَّزُ جازان بتنوعٍ بيئي فريدٍ يجمع بين السهول الساحلية والجبال، ما أوجد بيئات خصبة لتربية الإبل بمختلف سلالاتها، وأسهم في تنوعها الجيني وتكيّفها مع الظروف المناخية المتعددة، لتغدو هذه الثروة الحيوانية جزءًا من ملامح الأصالة في المنطقة، وركيزةً من ركائز اقتصادها الريفي.
وتزدانُ جازان بثروةٍ من الإبل تُسهم في دعم اقتصادها وتعزيز التنوع الإنتاجي، إذ يبلغ عددها نحو (79,478) رأسًا، وفقًا لإحصائية فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بالمنطقة، ما يعكس حجم الرعاية الميدانية والتخطيط المستدام لهذا القطاع الحيوي، ودوره في توفير مصادر دخلٍ متعددة تُسهم في تحسين جودة الحياة في القرى والمناطق الريفية.
وتنقسم الإبل في جازان إلى ثلاث سلالاتٍ رئيسيةٍ هي: "الأوارك، والسواحل، والعوادي"، ولكلٍّ منها خصائصُها البيولوجية، ومزاياها التي تُجسِّد تنوع البيئات الطبيعية في المنطقة.
تُعد الإبل “الأوارك” واحدة من السلالات النادرة والمميزة في المملكة العربية السعودية ، وتحظى بمكانة خاصة في منطقة جازان، لما تتمتع به من صفات فريدة، وقيمة تراثية ضاربة في عمق التاريخ البدوي والحضاري للمنطقة.
وقد ارتبط وجودها بمناطق تهامة وسفوح جبال السروات، حيث لا تزال حتى اليوم تحظى باهتمام ملحوظ من أبناء المنطقة الذين يسعون للحفاظ عليها من الاندثار.
الإبل “الأوارك” سُميت بهذا الاسم لاشتغالها على شجر الأراك، وهو نبات تُفضله وتتغذى عليه بشكل رئيسي، مما يؤثر بشكل مباشر في نكهة حليبها، ويكسبه طعماً مميزًا يميّزها عن غيرها من السلالات.
ويصفها الرعاة بأنها قوية التحمل، قليلة التكاليف، وذات إنتاج وفير من اللبن، فضلًا عن شكلها الجميل المتناسق الذي يتوسط بين الحجم الكبير والمظهر الرشيق.
تتنوع ألوان الأوارك بين الأبيض الناصع المعروف بـ”البيض”، و”الحمرا المخلوطة ببياض”، و”السمر” بلونها الداكن، ولكل لون عشاقه من المربين والمهتمين.
كما تنقسم هذه السلالة إلى فئات مثل “العرابي” التي تتصف بكثافة الوبر، و”الخواوير” ذات الجلد الرقيق وإنتاج الحليب العالي، و”الجرامي” التي تجمع صفات الفئتين.
في السنوات الأخيرة، بدأ صوت المهتمين من أبناء جازان يعلو من أجل المحافظة على هذا النوع الأصيل، لا سيما في ظل التحديات التي تواجهه، مثل التهجين غير المدروس وتغير الذوق العام للمربين. ولعل هذا الوعي المتنامي تجسّد في مشاركات أبناء المنطقة في مزاينات الإبل، وفي مبادرات فردية لتربية “الأوارك” بطريقة تحفظ نقاء سلالتها.
يؤكد بعض المربين أن الإبل الأوارك ليست مجرد وسيلة إنتاج، بل هي امتداد لهوية ثقافية وحضور في الوجدان الشعبي، حيث تغنّى بها الشعراء، وذكرتها الحكايات الشعبية القديمة، ورافقت الأجداد في مراحل التنقل والرعي، واليوم، تعود لتتصدر المشهد التراثي برعاية محلية واهتمام شبابي آخذ في الاتساع.
في ظل هذه الجهود، يبرز الأمل بأن تستعيد “الأوارك” مكانتها، لا فقط في المراعي، بل في الوعي الثقافي العام، باعتبارها رمزًا من رموز الأصالة التي تستحق أن تروى قصتها وتُحتفى بها في مهرجانات ومبادرات تعزز من حضورها بين الأجيال القادمة.
أما "السواحل"، فهي من السلالات القوية ذات القدرة الإنتاجية العالية، وتُوصف "الناقة الساحلية" بخصوبتها وسرعة تكاثرها، إذ يمكن بيع حوارها بعد خمسة أشهر فقط، كما يمكن تلقيحها بعد شهرٍ ونصفٍ أو شهرين من الولادة، ما يجعلها من أكثر السلالات إنتاجًا واستدامةً، وحاضرةً في ميدان التنافس التراثي بمزاين الإبل.
في حين تُعَدُّ "العوادي" من الإبل الجبلية الأصيلة التي ارتبطت ببيئة المرتفعات الجازانية، وتمتازُ بقوة بنيتها وصلابتها وقدرتها على التكيُّف مع التضاريس الصعبة والمناخ القاسي، ما جعلها رمزًا للجلد والصبر في الذاكرة والموروث الشعبي المحلي.
ويُعَدُّ السوق الشعبي في محافظة أحد المسارحة، الذي يبدأ من عصر يوم السبت ويستمر حتى يوم الأحد، من أكبر الأسواق المتخصصة في بيع وشراء الإبل على مستوى المنطقة، حيث يشهد حراكًا اقتصاديًا نشطًا يجذب المربين والتجار من مختلف محافظات جازان والمناطق المجاورة، ويُجسِّد نبض الريف الجازاني، ويعكس عمق الارتباط الاجتماعي والثقافي بهذا الموروث الوطني الأصيل.
ويؤكد مربُّو الإبل في منطقة جازان أن علاقتهم بإبلهم تتجاوزُ البعد الاقتصادي، فهي امتدادٌ لهويتهم وارتباطهم الوجداني بالأرض، وإحدى ركائز الأصالة العربية التي صاغت حياة الأجداد، فقد كانت رفيقة دربهم في الترحال والرعي، واحتلت مكانةً بارزةً في الشعر والأمثال والحكايات، لتعود اليوم إلى المشهد التراثي بحضورٍ متجدِّد، مدعوم برؤية الدولة في صون الموروث الوطني وتنميته، واهتمام شبابي متنام نحو تربية الإبل والعناية بها.